Image Not Found

مستقبل بريطانيا بعد رحيل الملكة

محسن بن مرتضى بن محسن اللواتي – الرؤية

بعد رحيل الملكة إليزابيث الثانية يتبادر إلى ذهن الكثيرين سؤال مهم، وهو: كيف يُمكن أن يؤثر رحيلها على المملكة المتحدة؟ وأيضًا السؤال الجوهري الأهم، وهو: لماذا يحتاج البريطانيون لنظام ملكي من الأساس؟ إذ تنفق بريطانيا حوالي 100 مليون دولار سنويًا على أسرة ليس لها أي تأثير فعلي على الحياة السياسية البريطانية ودورها يقتصر على مراسم بروتوكولية شكلية.

الإجابة المختصرة عن السؤال السابق: فعلاً لا يحتاج البريطانيون إلى أسرة حاكمة؛ ذلك لأنَّ كل الصلاحيات السياسية فعليا في حوزة البرلمان ومجلس الوزراء المنتخب من الشعب البريطاني، لكن البريطانيين أحبوا الملكة الراحلة واستطلاعات الرأي أكدت على مدار السنوات بأنَّ شعبيتها وصلت إلى 70% وهي نسبة لم يصل إليها أي سياسي أوروبي أو غربي حتى الآن.

أما عن أسباب شعبيتها فأراها تعود لثلاثة أسباب رئيسة سوف أتناولها بشيء من التفصيل على النحو التالي:

السبب الأول:

تمثل الملكة (إليزابيث) الراحلة جزءًا كبيرًا ومهماً من الهوية والثقافة البريطانية بالإضافة إلى أنها تمثل رمزا لماضي الإمبراطورية المجيدة لكثير من البريطانيين من الأصول الإنجليزية في نظرهم، حيث كانوا ولا يزالون يحلمون باستعادة تلك الأمجاد، قد يقول قائل إن هذا الكلام مجرد كلام إنشائي لا يمت للواقع البراجماتي بصلة، ولضحد هذا الرأي فإنِّه يتعين على القائلين به تأمل السنوات القليلة الماضية وتحديدا عامي 2016 و2017 وسيجدون أن ذلك الكلام الإنشائي في نظرهم قد تجسد على أرض الواقع حينما قررت الغالبية من البريطانيين مُغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة تسمح بحرية الحركة والحياة والعمل لمواطنيها داخل الاتحاد فضلاً عن تجارة هذه الدول مع بعضها، وذلك على أمل أن تعود بريطانيا لمجدها المتوهج في الماضي والذي حققته بمفردها بمقاييس ذلك الزمن بعيدا عن التعاون المباشر في كيانات اتحادية مع الدول الأوروبية.

السبب الثاني: أن الملكة اليزابيث الراحلة لم تكن تشكل عبئًا على الحياة السياسية في بريطانيا ولم تفسد على الساسة حياتهم السياسية وقد احتفظت بآرائها السياسية لنفسها ولم تقم بالإفصاح عنها وبالتالي لم تشكل مصدرا للإزعاج لأي رئيس وزراء ولأي مسؤول ونستطيع أن نوضح ذلك من خلال المواقف السياسية التالية:

أثناء مداولات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بركسيت”، تبين وجود رأيين إما استمرار بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي وإما مُغادرتها، وهنا التزمت الملكة الصمت ولم تدعم إحدى وجهتي النظر. أما المثال الآخر فكان في استفتاء خروج أسكتلندا من المملكة عام 2014 فقد استوقفها أحد رعاياها وسألها عن رأيها، فقالت: بأنها ترجو من المشاركين في الاستفتاء التفكير بعمق قبل اتخاذ القرار لأنَّ النتيجة ستكون ملزمة للجميع.

ولعل المرة الوحيدة التي قررت فيها الملكة اتخاذ موقف علني ضد السياسة الخارجية، عندما رفضت الحكومة البريطانية بقيادة مارجريت تاتشر التوقيع على مذكرة فرض عقوبات دول الكومنولث على دول جنوب أفريقيا لسياسات الفصل العنصري التي كانت هذه الدول تنتهجها، ومع هذا فإنَّ ذلك الموقف العلني من الملكة لم يؤثر في السياسة الخارجية للحكومة البريطانية.

السبب الثالث: أن الملكية الدستورية تمثل ثقلا ثابتا مطمئنا للناس في عالم متحرك متأرجح متقلب التوجهات والأفكار، وكانت الأسرة الملكية وعلى رأسها الملكة الراحلة تمثل ذلك الثقل المطمئن لاستقرار البلد في ظل وجود أي ظروف متغيرة.

ويمكن القول إنَّ الإمبراطورية البريطانية مهددة بمزيد من التفكك مع استقلال أسكتلندا وإيرلندا الشمالية؛ وهو أمر وارد الحدوث، ومما قد يعجل بذلك أنَّ الملك تشارلز الثالث لا يتمتع بقدر كبير من شعبية والدته الملكة الراحلة فشخصيته استقطابية ومثيرة للجدل، وهذا الأمر لربما سيُساهم في السنوات القادمة في ازدياد عدد الأصوات المطالبة بتغيير نظام البلد من النظام الملكي الدستوري إلى النظام الجمهوري!